أخبار وطنية منصف المزغني يكتب : حزبُ الحرباء … النهضة الإخوانية نموذجاً
منصف المزغني
(1)
هناك أحزاب سياسية كالدجاج أو كالنعاج ، وهي وليمةٌ للجياع من السباع …
وهناك أحزاب اخرى مثل الحرباء ، وليمتها أحزابٌ تشبه الحشراتِ والزواحفَ والقوارضَ الصغيرة.
(2)
– اسم الحرباء مشتقّ في العربية من معنى محاربة الشمس ، والحرباء تعيش في الشقوق،
– وبهذا المعنى فهي تعاف الشمس ، وتحبُّ الظلام…
– وتعوّضُ الحرباءُ حركةَ الجسم الثابت بعينيها الدوارتين 360 درجة ، وبشيء من العصبية الهادئة تبحث عن طعامها ، وتطارد الذباب والحشرات والقوارض من حولها ، فتباغتها بواسطة لسان ينطلق كالسهم الخاطف ، ويقنص الحشرة .
(3)
– بمعانٍ كثيرةٍ و مثيرةٍ يشبه حزبُ النهضة الإخوانية الحرباءَ ،
– كيف ؟
– لنبدأ بالعينيْن : ، حزبُ النهضة ثابتٌ في مكانه ، مستقرٌّ في جسمه السياسيّ ، وعيناهُ تدوران وتمسحان الفضاء السياسي بنسبة 360 درجة… فالنهضة تمسحُ ( مثل السكانير ) منطقة السلطة، باعتبارها الضلع الرابع في الحكومة السياسية ،وكذلك البرلمان- وتمسحُ بعينيها منطقة المعارضةَ ببعض العناصر في البرلمان.
– وتمسحُ الجبل والمغارة حيث التكفيريون وحيث القلم ،والكلاشنيكوف ، واليد الممدودة في السرّ لعناصر التطرف، واليد المرفوعة في البرلمان ، ويمكن القول باطمئنان : النهضة في السجن ،وفي المشنقة ، وفي الشارع ، وفي داعش ، وفي المعارضة ، وفي السلطة طبعا .! .
(4)
– وعَيْن النهضة تدور في مرجعيتها الدينية بنسبة 360 درجة .
– ولكن الحلال بيّن وواضح ، والحرام بيّن وواضح،
– نعم ، ولا تنسَ أنّ الضرورات تبيح المحظورات،وهذا ما يؤيد شمولية نظرتها الحرباوية ،
– وما الدليل ؟
– اولا : حزب النهضة متمسك بتطبيق الشريعة الاسلامية
– وفي الوقت ذاته مستعدّ للاكتفاء بالمصادقة في الدستور على ان الاسلام هو دين البلاد ،
– ومستعد حتى على المصادقة على زواج المثليّين !
-ثانيا : يدعو الى الذبح الحلال ،
– ولكن يتسامح في أكل لحم الخنزير!
– ثالثا : النهضة حريصة على اقامة الصلاة في مواقيتها ، كما انها حزب غيور من اجل إقامة الحدٌ على شارب الخمر وتارك الصلاة..
– وفي الوقت ذاته تتسامح النهضة ولا ترى مانعا من تجاوُرِ “مسجد ابن تيمية ” مع ” خمارة أبي نواس ” في تونس ، فكل حرٌّ ، يذهب إلى حيث شاء تفكيرُهُ و أملى ضميرُه !
رابعا : على ذكر الضمير ، فإنّ حزب النهضة صادق ووافق على حرية الضمير في الدستور ، وتردد طويلا في تجريم تهمة التكفير.
– اخيرا ، ماذا حصل ؟
– النهضة ديموقراطيتها واسعة شاسعة ، وعينها الشمولية الدوّارة تحتوي كل ما من شانه ان يقع تحت نظرها ، والمهم هو ان لا يتحرك جسمها وهي تصطاد.
– لسانها طويل ، وقادر على الالتفاف على أيّ من الحشرات والقوارض الديموقراطية واللائكية .
(5)
– النهضة مستعدة لكل شيء
– لكل شيء ؟
– لكل شيء . بل لأكلِ كلّ شيء يعترض طريقها، تمدّ له لسانها ، تُشعره بالأمن والأمان و، تتعرّقُ نُخاعه ، ثم تنساه في الغيهب و لا تنسى واجب العزاء ، تمشي في جنازته ان استطاعت ، و تحرص على التنديد بالقاتل ، لانه لا أحد لاحظَ سرعة التقام القتيل
– ولا احد يملك الدليل.
(6)
– إذا رمى أَحَدُهم حزبَ الحرباء بالتنكر لإيديولوجيتها ، فهذا دليل على انه لم يفهم من الحزب شيئا ولم يعرف سرّ الحرباء ،
– ولكنّ الحرباء تَتـنكّر اتقاءً للأعداء، اليس كذلك؟
– الحرباء لا تتنكر كما راج في الاعتقاد السائد ، ولكنها تغيّر لونها ضمن عوامل عدة منها لون المحيط الخارجي والاضاءة (اتجاه أشعة الشمس).. وفق وضعها الفيزيائي والفسيولوجي، ولا تفعل هذا للتلاؤم مع البيئة ،
– هي لا تتغيّرُ ،هي تتأقْلَمُ
– النهضة لا تبحث عن الانسجام مع البيئة السياسية والوطنية ، همها الأكبر هو تأمين الحياة والحضور في المناخ السياسيّ .
(7)
– غداً ، لن استغرب إذا دَعا الغنوشي ونادى بالتحقيق في قضية اغتيال كل من القائديْن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، رغم أنهما من رموز اليسار السياسي التونسي المناهض للنهضة، لا لشيء إلاّ حبّا من “النهضة ” للشفافية ! .
– تصورْ ، لا عجب عندي ، إذا عُثِرَ في قادم الايام على عناصر من النهضة مندسّة في مواقع قيادية في ( الجبهة الشعبية اليسارية )؟
– بل ان الاخوان المسلمين في تونس بدؤوا يتسللون من خلال خطابهم إلى رموز الفكر والوطن، وحتى إلى اللائكيين ، فهم باتوا يسطون حتى على رائد تحرير المرأة في تونس (المفكر والشاعر الطاهر الحداد) وينسبونه لتراث النهضة.
– يتناسون كيف مات الرجل منبوذًا من قبل مجتمع كانت تهيمنُ فيه أفكار الأئمة الملفوفة عقولهم ، و كانوا يكفّرون الطاهر الحداد، ويُزٍَنْدِقون رفيقَهُ ” أبا القاسم الشابي ” الذي عاند القضاء والقدر في قصيدته الملحدة ” ارادة الحياة ” .
– ومن باب التأقْلُم ، فإنٌ مجلس الشورى في النهضة ، مستعدّ حتى للتدخل لدى الله لإدخال الشاعر الشابيّ الى الفردوس الأعلى .
(8)
– اتراهم جاهزين للانقضاض على كل رمز، وان كان مخالفا لهم ؟ .
– نعم ، بما في ذلك بورقيبة ؟
– طبعا ، طبعا لا تستغربْ شيئا منهم ،فهم أفواهٌ مفتوحة مثل حوت يريد ان يستولي على السلطة، وعلى رموز السلطة بأيّ ثمن….
– ولا تستغرب أن يأتي يوم يترحّم فيه الغنوشي ، وَ بالدمع الهتون ، على روح بورقيبة لا باعتباره زعيما إصلاحيا وحسب ، بل وَ من أولياء الله الصالحين ..
– وقد لا يكتفي الغنوشي بالترحّم بالكلام ، ولربّما نادى الشعب التونسي ، ودعا أنصاره ، وحرّض قواعد حركة النهضة. على زيارة جماعية تلفزيونية الى ضريح الحبيب بورقيبة ، من اجل الترحم ، وقراءة فاتحة الكتاب ، لانه صار في عين النهضة – الحرباء ” باني تونس ومحرر المرأة ، والمصلح الديني ، والدليل هو انه آمر بتشييد الألاف من بيوت الله ، ورفع مآذنها بذكر الله ”
– صحيح
– نعم ، بعد ان كان بورقيبة يمثل لأهل النهضة ، رمز الشيطان الأكبر، وإمام الكفار.
– لا تستغربْ حتى ان رأيته ، خلال الفترة القادمة مشيدا ( من جديد ) بزين العابدين بن علي ويرد له الاعتبار ، باعتباره ” حامي الحمّى والدين” .
(9)
– ما دمنا في الحرباء ،هل تذكر قصة حرباء زين العابدين بن علي ؟
– الحرباء يسميها الشعب التونسي تسمية عجيبة ،” أُّْمُّ ألبويا “، و يحكي ان الرئيس بن علي كان يخاف من السحر ويؤمن به ، ولذلك كان يبحث عن مصيره الرئاسي ، لا عند الحوار الديموقراطي ، او عند الشباب العاطل ، ولكن عند قارئات الفنجان السياسيّ ، وضاربي الدفّ الإعلامي ، ومما يُشاع ويدور من حديث شعبيّ عن أجواء السحر الغرائبية في القصر ، انهم كانوا يجلبون له حيوان الحرباء حيّا ، وكانت الحرباء تُرْمى حيّةً في النار حتى يسمع بن على صراخها المختوم بصدى انفلاقها في النار !!
(10)
– لم يكن بن علي رحيمًا بحياة الحرباء أمام مصيره الرئاسيّ .
– ولم تكن النهضة التي لم تكنْ تَكِنُّ لبن علي ذرّة حبّ ، لأن ّ بن علي صرّح ، بعد فوات الأوان ، أنّه فهم الشعب..
– فهم شيئا…. وغابت عنه أشياء الحرباء .
صحيفة “المغرب”